الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
أي قرن من الناس لأنه طبق الأرض، وقال الأقرع بن حابس: [البسيط] أي حال بعد حال، وقيل المعنى: {لتركبن} الآخرة بعد الأولى، وقرأ عمر بن الخطاب أيضاً: {ليركبن} على أنهم غيب، والمعنى على نحو ما تقدم، وقال ابو عبيدة ومكحول: المعنى {لتركبن} سنن من قبلكم.قال القاضي أبو محمد: كما جاء في الحديث: «شبراً بشبر، وذراعاً بذراع»، فهذا هو {طبق عن طبق}، ويلتئم هذا المعنى مع هذه القراءة التي ذكرنا عن عمر بن الخطاب، ويحسن مع القراءة الأولى، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وعمرو بن مسعود ومجاهد والأسود ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وعيسى: {لتركبَن}، بفتح الباء على معنى: أنت يا محمد، وقيل المعنى: حال بعد حال من معالجة الكفار، وقال ابن عباس المعنى: سماء بعد سماء في الإسراء، وقيل هي عدة بالنصر، أي {لتركَبن} العرب قبيلاً بعد قبيل، وفتحاً بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك، قال ابن مسعود: المعنى: {لتبركبَن} السماء في أهوال القيامة، حالاً بعد حال تكون كالمهل وكالدهان وتتفطر وتتشقق، فالسماء هي الفاعلة، وقرأ ابن عباس أيضاً وعمر رضي الله عنهما: {ليركبن} بالياء على ذكر الغائب، فإما أن يراد محمد صلى الله عليه وسلم على المعاني التمقدمة، وقاله ابن عباس يعني: نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإما ما قال الناس في كتاب النقاش من أن المراد: القمر، لأنه يتغير أحوالاً من سرار واستهلال وإبدار، ثم وقف تعالى نبيه، والمراد أولئك الكفار بقوله: {فما لهم لا يؤمنون}، أي من حجتهم مع هذه البراهين الساطعة، وقرأ الجمهور: {يُكذّبون} بضم الياء وشد الذال، وقرأ الضحاك: بفتح الباء وتخفيف الذال وإسكان الكاف، و{يوعون} معناه: يجمعون من الأعمال والتكذيب والكفر، كأنهم يجعلونها في أوعية، تقول: وعيت العلم وأوعيت المتاع، وجعل البشارة في العذاب لما صرح له، وإذا جاءت مطلقة، فإنما هي من الخبر، ثم استثنى تعالى من كفار قريش القوم الذين كان سبق لهم الإيمان في قضائه، و{ممنون} معناه: مقطوع من قولهم: حبل منين أي مقطوع، ومنه قول الحارث بن حلّزة اليشكري: [الخفيف] يريد غباراً متقطعاً، وقال ابن عباس: {ممنون} بمعنى: معدود عليهم محسوب منغص بالمن.
وقال ابن عباس: {البروج}: النجوم، لأنها تتبرج بنورها، والتبرج: التظاهر والتبدي، وقال الجمهور وابن عباس أيضاً: {البروج} هي المنازل التي عرفتها العرب وهي اثنا عشر على ما قسمته العرب وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوماً، وقال قتادة معناه: ذات الرمل، والسماء يريد أنها مبنية في السماء، وهذا قول ضعيف، {واليوم الموعود} هو يوم القيامة باتفاق، قاله النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: الموعود به، وقوله: {ومشهود}، معناه: عليه أو له أو فيه، وهذا يترتب بحسب الحساب في تعيين المراد ب شاهد ومشاهد، فقد اختلف الناس في المشار إليه بهما فقال ابن عباس: الشاهد الله تعالى، والمشهود يوم القيامة، وقال ابن عباس والحسن بن علي وعكرمة: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم، والمشهود يوم القيامة، قال الله تعالى: {إنا أرسلناك شاهداً} [الأحزاب: 45، الفتح: 8]، وقال في يوم القيامة {وذلك يوم مشهود} [هود: 103]، وقال مجاهد وعكرمة أيضاً: الشاهد آدم وجميع ذريته، والمشهود يوم القيامة، ف {شاهد} اسم جنس على هذا، وقال بعض من بسط قول مجاهد وعكرمة: {شاهد} أراد به رجل مفرد أو نسمة من النسم، ففي هذا تذكير بحقارة المسكين ابن آدم، والمشهود يوم القيامة، وقال الحسن بن أبي الحسن وابن عباس أيضاً: الشاهد يوم عرفة، ويوم الجمعة، والمشهود يوم القيامة، وقال ابن عباس وعلي وأبو هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة: {شاهد} يوم الجمعة، {ومشهود} يوم عرفة، وقال ابن عمر: {شاهد} يوم الجمعة، {ومشهود} يوم النحر، وقال جابر: {شاهد} يوم الجمعة، {ومشهود} الناس، وقال محمد بن كعب: الشاهد أنت يا ابن آدم، والمشهود الله تعالى، وقال ابن جبير بالعكس، وتلا: {وكفى بالله شهيداً} [النساء: 79-166، الفتح: 28]، وقال أبو مالك: الشاهد عيسى، والمشهود أمته، قال الله تعالى: {وكنت عليهم شهيداً} [المائدة: 117] قال ابن المسيب: {شاهداً} يوم التروية، {ومشهود} يوم عرفة، وقال بعض الناس في كتاب النقاش: الشاهد يوم الأثنين والمشهود يوم الجمعة، وذكره الثعلبي، وقال علي بن أبي طالب: الشاهد يوم عرفة، والمشهود يوم النحر، وعنه أيضاً: {شاهد} يوم القيامة {ومشهود} يوم عرفة. وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {شاهد} يوم الجمعة {ومشهود} يوم عرفة. قاله علي وأبو هريرة والحسن، وقال إبراهيم النخعي: الشاهد يوم الأضحى والمشهود يوم عرفة.قال القاضي أبو محمد: ووصف هذه الأيام ب {شاهد} لأنها تشهد لحاضريها بالأعمال، والمشهود فيما مضى من الأقوال بمعنى المشاهد بفتح الهاء، وقال الترمذي: الشاهد الملائكة الحفظة، والمشهود عليهم الناس، وقال عبد العزيز بن يحيى عند الثعلبي: الشاهد محمد، والمشهود عليهم أمته نحو قوله تعالى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} [النساء: 41] أي شاهداً، قال: الشاهد الأنبياء: والمشهود عليهم أممهم، وقال الحسن بن الفضل: الشاهد أمة محمد، والمشهود عليهم قوم نوح، وسائر الأمم حسب الحديث المقصود في ذلك، وقال ابن جبير أيضاً: الشاهد، الجوراح التي تنطق يوم القيامة فتشهد على أصحابها، والمشهود عليهم أصحابها، وقال بعض العلماء: الشاهد الملائكة المتعاقبون في الأمة، والمشهود قرآن الفجر، وتفسيره قول الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} [الإسراء: 87] وقال بعض العلماء: الشاهد، النجم، والمشهود عليه الليل والنهار، أي يشهد النجم بإقبال هذا وتمام هذا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يطلع الشاهد، والشاهد النجم»، وقال بعض العلماء: الشاهد الله تعالى والملائكة وأولو العلم، والمشهود به الوحدانية وأن الدين عند الله الإسلام، وقيل الشاهد: مخلوقات الله تعالى، والمشهود به وحدانيته، وأنشد الثعلبي في هذا المعنى قول الشاعر [أبو العتاهية]: [المتقارب] وقيل المعنى: فعل الله بهم ذلك لأنهم أهل له، فهو على جهة الدعاء بحسب البشر، لا أن الله يدعو على أحد، وقيل عن ابن عباس معناه: لعن، وهذا تفسير بالمعنى، وقيل هو إخبار بأن النار قتلتهم، قاله الربيع بن أنس، وسيأتي بيانه، واختلف الناس في {أصحاب الأخدود}، فقيل: هو قوم كانوا على دين كان لهم ملك فزنى بأخته، ثم حمله بعض نسائه على أن يسن في الناس نكاح البنات والأخوات، فحمل الناس على ذلك فأطاعه كثير وعصيته فرقة فخَدَّ لهم أخاديد، وهي حفائر طويلة كالخنادق، وأضرم لهم ناراً وطرحهم فيها، ثم استمرت المجوسية في مطيعيه، وقال علي بن أبي طالب: {الأخدود}، وملك حمير، كان بمزارع من اليمن، اقتتل هو والكفار مع المؤمنين، ثم غلب في آخر الأمر فحرقهم على دينهم إذا أبوا دينه، وفيهم كانت المرأة ذات الطفل التي تلكأت، فقال لها الطفل: امضي في النار فإنك على الحق، وحكى النقاش عن علي رضي الله عنه، أن نبيّ {أصحاب الأخدود} كان حبشياً، وأن الحبشة بقية {أصحاب الأخدود} وقيل: {أصحاب الأخدود} ذو نواس في قصة عبد الله بن التامر التي وقعت في السير، وقيل: كان {أصحاب الأخدود} في بني إسرائيل.قال القاضي أبو محمد: ورأيت في بعض الكتب أن {أصحاب الأخدود} هو محرق وآله الذي حرق من بني تميم المائة، ويعترض هذا القول بقوله تعالى: {وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود}، فينفصل عن هذا الاعتراض بأن هذا الكلام من قصة {أصحاب الأخدود}، وأن المراد بقوله: {وهم} قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات، واختلف الناس في جواب القسم، فقال بعض النحاة: هو محذوف لعلم السامع به، وقال آخرون: هو في قوله تعالى: {قتل}، والتقدير لقتل، وقال قتادة: هو في قوله:
|